سورة الأعراف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ} يعني في الأرض تعيشون، {وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} أي: من الأرض تخرجون من قبوركم للبعث، قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: {تُخْرَجُونَ} بفتح التاء هاهنا وفي الزخرف، وافق يعقوب هاهنا وزاد حمزة والكسائي: {وكذلك تخرجون} في أول الروم، والباقون بضم التاء وفتح الراء فيهن.
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ} أي: خلقنا لكم {لِبَاسًا} وقيل: إنما قال: {أنزلنا} لأن اللباس إنما يكون من نبات الأرض، والنبات يكون بما ينزل من السماء، فمعنى قوله: {أَنْزَلْنَا} أي: أنزلنا أسبابه. وقيل: كل بركات الأرض منسوبة إلى بركات السماء كما قال تعالى: {وأنزلنا الحديد} [سورة الحديد، 25]، وإنما يستخرج الحديد من الأرض.
وسبب نزول هذه الآية: أنهم كانوا في الجاهلية يطوفون بالبيت عراة، ويقولون: لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها، فكان الرجال يطوفون بالنهار والنساء بالليل عراة.
وقال قتادة: كانت المرأة تطوف وتضع يدها على فرجها وتقول:
اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ *** وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ
فأمر الله سبحانه بالستر فقال: {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} يستر عوراتكم، واحدتها سوأة، سميت بها لأنه يسوء صاحبها انكشافها، فلا تطوفوا عراة، {وَرِيشًا} يعني: مالا في قول ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي: يقال: تريش الرجل إذا تمول، وقيل: الريش الجمال، أي: ما يتجملون به من الثياب، وقيل: هو اللباس.
{وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} قرأ أهل المدينة وابن عامر والكسائي {ولباس} بنصب السين عطفا على قوله: {لِبَاسًا} وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء وخبره {خَيْرٌ} وجعلوا {ذَلِكَ} صلة في الكلام، ولذلك قرأ ابن مسعود وأبي بن كعب {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}.
واختلفوا في {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} قال قتادة والسدي: لباس التقوى هو الإيمان. وقال الحسن: هو الحياء لأنه يبعث على التقوى.
وقال عطية عن ابن عباس: هو العمل الصالح. وعن عثمان بن عفان، أنه قال: السمت الحسن.
وقال عروة بن الزبير: لباس التقوى خشية الله، وقال الكلبي: هو العفاف. والمعنى: لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به مما خلق له من اللباس للتجمل.
وقال ابن الأنباري: لباس التقوى هو اللباس الأول وإنما أعاده إخبارا أن ستر العورة خير من التعري في الطواف.
وقال زيد بن علي: لباس التقوى الآلات التي يُتقى بها في الحرب كالدرع والمغفر والساعد والساقين.
وقيل: لباس التقوى هو الصوف والثياب الخشنة التي يلبسها أهل الورع. {ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}.


{يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} لا يضلنكم الشيطان، {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ} أي: كما فتن أبويكم آدم وحواء فأخرجهما، {مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} ليرى كل واحد سوأة الآخر، {إِنَّهُ يَرَاكُمْ} يعني أن الشيطان يراكم يا بني آدم، {هُوَ وَقَبِيلُهُ} جنوده. قال ابن عباس: هو وولده. وقال قتادة: قبيله: الجن والشياطين، {مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} قال مالك بن دينار: إن عدوا يراك ولا تراه لشديد الخصومة والمؤنة إلا من عصم الله، {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ} قرناء وأعوانا، {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} وقال الزجاج: سلطانهم عليهم يزيدون في غيهم كما قال: {إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا} [مريم- 83].
{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} قال ابن عباس ومجاهد: هي طوافهم بالبيت عراة. وقال عطاء: الشرك والفاحشة، اسم لكل فعل قبيح بلغ النهاية في القبح. {قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} وفيه إضمار معناه: وإذا فعلوا فاحشة فنهوا عنها قالوا وجدنا عليها آباءنا. قيل: ومن أين أخذ آباؤكم؟ قالوا: {وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}.
{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} قال ابن عباس: بلا إله إلا الله، وقال الضحاك: بالتوحيد. وقال مجاهد والسدي: بالعدل. {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} قال مجاهد والسدي: يعني وجّهوا وجوهكم حيث ما كنتم في الصلاة إلى الكعبة. وقال الضحاك: إذا حضرت الصلاة وأنتم عند مسجد فصلوا فيه ولا يقولن أحدكم أصلي في مسجدي. وقيل: معناه اجعلوا سجودكم لله خالصا، {وَادْعُوهُ} واعبدوه، {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الطاعة والعبادة، {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} قال ابن عباس: إن الله تعالى بدأ خلق بني آدم مؤمنا وكافرا كما قال: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} [التغابن، 2]، ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمنا وكافرا. قال مجاهد: يبعثون على ما ماتوا عليه.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي حدثنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنبأنا محمد بن عبد الله الصفار حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يبعث كل عبد على ما مات عليه، المؤمن على إيمانه والكافر على كفره».
وقال أبو العالية: عادوا على عمله فيهم. قال سعيد بن جبير: كما كتب عليكم تكونون.
قال محمد بن كعب: من ابتدأ الله خلقه على الشقاوة صار إليها وإن عمل أهل السعادة، كما أن إبليس كان يعمل بعمل أهل السعادة ثم صار إلى الشقاوة، ومن ابتداء خلقه على السعادة صار إليها وإن عمل بعمل أهل الشقاء، وكما أن السحرة كانت تعمل بعمل أهل الشقاوة فصاروا إلى السعادة.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنبأنا أبو القاسم البغوي ثنا علي بن الجعد حدثنا أبو غسان عن أبي حازم قال: سمعت سهل بن سعد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد يعمل فيما يرى الناس بعمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنه ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، وإنما الأعمال بالخواتيم».
وقال الحسن ومجاهد: كما بدأكم وخلقكم في الدنيا ولم تكونوا شيئا، كذلك تعودون أحياء يوم القيامة كما قال الله تعالى: {كما بدأنا أول خلق نعيده} [الأنبياء، 104]، قال قتادة: بدأهم من التراب وإلى التراب يعودون، نظيره قوله تعالى: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم} [طه، 55].


قوله عز وجل: {فَرِيقًا هَدَى} أي هداهم الله، {وَفَرِيقًا حَقَّ} وجب {عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} أي: بالإرادة السابقة، {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} فيه دليل على أن الكافر الذي يظن أنه في دينه على الحق والجاحد والمعاند سواء.
قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} قال أهل التفسير: كانت بنو عامر يطوفون بالبيت عراة، فأنزل الله عز وجل: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}، يعني الثياب. قال مجاهد: ما يواري عورتك ولو عباءة.
قال الكلبي: الزينة ما يواري العورة عند كل مسجد لطواف أو صلاة.
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} قال الكلبي: كانت بنو عامر لا يأكلون في أيام حجهم من الطعام إلا قوتا ولا يأكلون دسما، يعظمون بذلك حجهم، فقال المسلمون: نحن أحق أن نفعل ذلك يا رسول الله، فأنزل الله عز وجل: {وكلوا} يعني اللحم والدسم {واشربوا} اللبن {وَلا تُسْرِفُوا} بتحريم ما أحل الله لكم من اللحم والدسم، {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} الذين يفعلون ذلك. قال ابن عباس: كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة. قال علي بن الحسين بن واقد: قد جمع الله الطب كله في نصف آية فقال: {كلوا واشربوا ولا تسرفوا}.
قوله عز وجل: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} يعني لبس الثياب في الطواف، {وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} يعني اللحم والدسم في أيام الحج.
وعن ابن عباس وقتادة: والطيبات من الرزق ما حرم أهل الجاهلية من البحائر والسوائب.
{قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فيه حذف تقديره: هي للذين آمنوا وللمشركين في الحياة الدنيا فإن أهل الشرك يشاركون المؤمنين في طيبات الدنيا، وهي في الآخرة خالصة للمؤمنين لا حظ للمشركين فيها.
وقيل: هي خالصة يوم القيامة من التنغيص والغم للمؤمنين، فإنها لهم في الدنيا مع التنغيص والغم.
قرأ نافع {خَالِصَةً} رفع، أي: قل هي للذين آمنوا مشتركين في الدنيا، وهي في الآخرة خالصة يوم القيامة للمؤمنين. وقرأ الآخرون بالنصب على القطع، {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8